دودة الكتب
يردد البعض عبارة (( فلان دودة الكتب )) ..
الظريف أن هذه العبارة مستخدمة في لغات الدنيا ..
وكثيرون منكم لا يحبون ((الدودة )) وينزعجون لرؤيتها ,
وينسون دودة القز التي تعطينا أجمل الأقمشة , وانعم الثياب .. ونحن نعني بعبارة (( دودة الكتب )) ذلك الشخص الذي يلتهم صفحات الكتب قراءة , ولا يكف عن ذلك ليل نهار , بدون أن يأكلها بالطبع ..
وهذه الحكاية عن (( دودة )) حقيقية أحبت الكتب , وقرأتها كثيرا .
....................
كان (( فرقع لوز )) يعيش داخل سجادة قديمة , غير مستخدمة , وموضوعة في غرفة مظلمة , تعود أصحاب البيت الكبير على أن يحتفظوا فيها بالأشياء التي لا يستخدمونــها .. و (( فرقع لوز )) هذا حشرة من نوع الخنافس , أطلقوا عليه هذا اللقب لأنه يقفز عاليا أثناء سيره , ويطلق صوتا مرتفعا بسبب احتكاك عظامه عند مفاصلها , جسمه يخلو تقريبا من اللحم , واغلبه عظام متصلة بعضها ببعض .
...................
وكان (( فرقع لوز )) شأنه في ذلك شأن كل الحشرات – في حالة بيات شتوي , إذ هو ينام طويلا ,, لأنه لا يقدر على احتمال البرد , ويصحوا مع الربيع يقظاً متفتحا للحياة , ويروح يقفز سريعا , فرحا , مبتهجا , فوق المروج الخضراء , وأحواض الإزهار الملونة ...
وكان صديقنا (( فرقع لوز )) هذا حبيسا في مكانه , لم يخرج منه إلى (( السيرك )) , ولم يشاهد مباراة كرة قدم , ولم يزر حديقة الحيوان , ولا متحف , ولا , ولا , ولا ....
..............كان دائما وحده , وبذلك يشعر انه في أمان , وبعيد عن الحوادث والمشاكل والمبيدات الحشرية .
وذات يوم , قرب حلول الربيع , ترامت إلى إذنيه أصوات أناس يتكلمون , وسمع وقع أقدامهم على السلام الذي يقود إلى غرفته , وبعد قليل أحس أنهم فتحوا بابها , ووضعوا داخل الغرفة صندوقا ضخما .. صحا (( فرقع لوز )) وتسلل من داخل السجادة الملفوفة ليجد هذا الصندوق مغلقا وعليه قفل كبير , فتساءل : ترى , ماذا في هذا الصندوق ؟؟
أيكون مملوءًا بكنوز من ذهب وفضة وياقوت ومرجان ؟؟
أم به كنز ثمين من العقود , والأساور , وما إلى ذلك من حلى غالية ؟ دار (( فرقع لوز )) حول الصندوق متقافزا , وفجأة سمع صوتا , كان خافتا في البداية , ثم علا وارتفع صارخا : - النجدة .. افتحوا .. أريد أن اخرج من هذا المكان المظلم .. أرجوكم ... لا أريد أن ابقي هنا !!!
...................
رتبك (( فرقع لوز )) , فما كان يعرف ما يمكنه أن يعمل لنجدة صاحب هذا الصوت , خاصة أن القفل الكبير يتدلى أمامه , لكنه عندما دقق النظر إليه وجد المفتاح في مكانه , وبذل جهدا كبيرا لكي يدير المفتاح , وإذا به يدور , وفعلا نجح في أن يحرك القفل من مكانه , وبقى عليه أن يرفع غطاء الصندوق , ونجح في ذلك بعد أن تعب طويلا , وتصبب عرقا ... ثم تطلع إلى الصــــــندوق ليرى ما بداخله .. كانت هناك مفاجأة ضخمة ... لم يكن هناك ذهب ولا فضة , لكن الصندوق كان يحتوي على شئ أغلى منهما , وأعظم وأروع ...ترى ماذا كان فيه ؟؟
كان الصندوق يمتلئ بالكتب .. كتب كثيرة عن الأشجار والأزهار , كالشجرة المنتصرة , وقصص خضراء ..
وكتب عن الألوان : الأحمر ,والأزرق , والأصفر ... الخ ...
وكتب في التاريخ , والعلوم , والفنون .. بعضها يزدان بالصور , وبعضها يحتوي على كثير من الرسوم .. وهناك كتب في الهي , وأخرى في الفاكهة .. كتب بلا عد , ولا حصر .. وإلى جانبها وقفت دودة كبيرة خضراء مبتسمة سعيدة .. تطلعت إلى (( فرقع لوز )) بنظرات تحمل الاعتراف بالجميل , وهمست : شكرا لك يا (( فرقع لوز )) لقد أطلقت سراحي , وحررتني من هذا السجن الرهيب ... رد (( فرقع لوز )) :/ لا شكرا على واجب ... أنا لا أحب السجن للمخلوقات ..
وبودي أن أتعرف عليك , ولماذا أنت هنا ؟
قالت : أنا ((دودة الكتب )) ... دودة مشهورة ومعروفة لكل الدنيا .. كنت مستغرقة في القراءة حين أغلقوا علي الصندوق .. وكنت سأبقى سجينة لولاك , لذلك فأنا مدينة لك بالكثير .
_وهل قرأت كل هذه الكتب ؟ _ أي نعم .
تعالي معي إلى مكاني الذي أعيش فيه لتستريحي ... إني اسكن داخل هذه السجادة القديمة , انه مكان آمن دافئ , أحبه كثير . سارت الدودة خلفه ببطء , وهي تسأله :/ كيف ترد له جميله ومساعدته القيمة ..
وكان هو يردد في أثناء قفزاته العالية انه لم يفعل شيئا , وان بوده أن يعرف منها الكثير , لأنه أُمي ولا يعرف القراءة ,ويود أن يتعلم . لم يكن (( فرقع لوز )) قد عرف شيئا عن السيارة و والقطار والطائرة , ولا قرأ عن الإنسان أو النبات أو الحيوان ... ولا رأى الأنهار أو البحيرات , ولم يعرف شيئا عن المحيطات ... وكان عطشا للعلم والمعرفة .. قالت له (( دودة الكتب )) في رقة :- لقد كانت عندي فرصة لكي أرى الكثير واقرأ الكثير .. لقد طفت العالم , وتعبت عيناي من كثرة الاطلاع , وزرت مكتبات عدة , وما من كتاب لقيته إلا حاولت أن أقراه ... ومع ذلك فما زلت بحاجة إلى أن اعرف أكثر ..أنا لا أعيش على ورق الكتب طعاما .. إني مثل دودة القز , آكل ورق الشجر , وأحافظ كل المحافظة على ورق الكتب , كأنه عيني , أنا اشعر بالأسف لمن يثني طرف ورقة في كتاب , ولا أستريح أبدا لمن يضع فيه خطا .. إن الكتاب يجب أن يبقى نظيفا , جديدا , يجتذب قراء جددا , ليستفيدوا منه , وسنكون يا (( فرقع لوز )) – أنت وأنا – أصدقاء , تعلمني أشياء وأعلمك أشياء . كان (( فرقع لوز )) يستمع ويستمتع في صمت , ويقول لنفسه :- هاهي زى الفرصة تلوح لك لكي ترى الدنيا وتعرفها على يدي الأستاذة((دودة الكتب )) . لقد أعطاها كل انتباهه , وأصغى إليها ولم يقاطعها , وتمنى لو أنها استمرت تتحدث , وعندما توقفت سألها : أرجوك .. أكملي حديثك الحلو . سألته : لماذا أنت ساكت ؟! يجب أن يكون الحديث مشتركا بيننا , ولا بد من الحوار معا . قال : أنت قرأت وعندك الكثير .. أنت غنية بالعلم والمعرفة , وأنا فقير . وضحكت ((دودة الكتب )) لخفة ظل (( فرقع لوز )) .
جلست ((دودة الكتب )) وراحا يتحدثان ...
........
كانت بها رغبة شديدة في أن تتكلم بما تعلم ؟ وكلن به شغف كبير في أن يستمع ويستمتع ..
كانت تحكي له عــــــــــــــن أجمل ما قرأت في الأدب والفن , والعلم..و.... وكانت فخورة بما تعرف ’, وما كانت مغرورة .... لأنها شعرت بأنها كلما قرأت أكثر شعرت بأنها تحتاج للمزيد .. إنها ما كانت تشبع من القراءة , بل كانت نهمة لها وأكثر من نهمها للطعام , مع أن المعروف عن الدودة إنها تأكل كثيرا ... كثيرا جدا..
وبحر العلم واسع , وغزير , وعميق ... و (( العلم في الرأس , وليس في الكتاب والكراس ))..
((وكانت دودة الكتب)) بيــن حين وآخر تحن إلى قراءة كتاب ,فتضع نظارته السميكة على عينيها , وتظل تقرأ ... وتقرأ ... وتقرأ ... وتقرأ ... وتقرأ ... وتقرأ ... وتقرأ ... وتقرأ
________________________________